Top Ad unit 728 × 90

آخر مواضيع الأكاديمية

recent

رواد علم الاجتماع المغربي || في سيرة بول باسكون

بقلم: ميلود العلواني  
   بول باسكون الابن العاق للسوسيولوجيا الكولونيالية، الراحل قسرا الذي دافع بشراسة عن مشروع السوسيولوجيا القروية، المنهجس بقضايا الفلاح والمحروم ،إنه المناضل اليساري الذي أربك حساب المهتمين بميدان العلم الاجتماعي في مغرب سنوات الجمر والرصاص.
   لقد ولد باسكون بأحواز العاصمة العلمية فاس يومه 13 أبريل/نيسان 1932م، لأبوين فرنسيين، كان أباه مهندسا فرنسيا عاملا بالأشغال العمومية، معاد لنظام فيشي شأنه في ذلك شأن زوجته، كما كان منهجسا بالعالم القروي، ولعل هذا سبب من ضمن الأسباب الجوهرية التي عمقت شغف بول باسكون بالعالم القروي ومحاولته الجادة لاكتشاف قضاياه المركبة.
ان نباهة بول باسكون أهلته للحصول على باكالوريا في العلوم التجريبية خلال الموسم الدراسي 1949 من ثانوية "كورو" التي أصبحت تعرف بثانوية "مولاي يوسف " بالرباط العاصمة، والتي كانت حكرا على أبناء المعمرين الفرنسيين وأعوانهم المغاربة من أعيان وقواد وشيوخ...وقتئذ.، كما حصل عالمنا على الإجازة في العلوم التجريبية سنة 1956،لينعطف بعدها نحو السوسيولوجيا التي اعتبرها باسكون العلم الذي يليق به لأنها بإمكانها تعرية وجه التناقضات التي يتخبط فيها مغرب الجمر والرصاص، إذ حصل على الاجازة في علم الاجتماع سنة 1958، أي بعد مرور ثلاث سنوات عن زواجه من جانين التي منحته  فرحة إخراج إبنيهما "جيل وندين" الذين اختفيا سنة 1976 في ظروف حالكة ولم يظهر لهما أثر قط، قرابة تسع سنوات من البحث المستميت والانتظار المديد دون نتيجة إلا أن وجدا مقتولين، اللهم المبررات الدرائعية التي صرحت بها السلطات التي ادعت أن رجال من جبهة البوليساريو هم من قاموا باختطاف الصغيرين.
   هذه بداية الأزمات والمضايقات المادية التي عانى منها الرجل بالإضافة إلى المعاناة الرمزية التي لم تكن أقل حدة من المعاناة المادية، حيث اشتد الخناق على بول باسكون من طرف السلطات التي كان بطلها وزارة البصري وقتئذ، كما أن التشكيك في مغربيته كان أول هذه المضايقات إلا أن إصرار باسكون مكنه من الحصول على الجنسية المغربية قسرا ورغم أنف المشككين والمنغصين سنة 1964.
ان عناد باسكون المعرفي ونزعته السوسيولوجية المفرطة دفعته إلى البحث الحثيث عن المسكوت عنه ،أي قضايا العالم القروي بتناقضاته وتراتبيته المفرطة لهذا فقد كانت له مساهمات سوسيولوجية لا حصر لها فردية كانت أم جماعية، وهنا ارتأينا ضرورة سرد ما تيسر منها حتى نمكن الباحث في السوسيولوجيا القروية بالمغرب من أخذ نبذة عن هذا السوسيولوجي/الهرم الشامخ الذي لم ينصف، شأنه في ذلك شأن باقي المهتمين بالشأن السوسيولوجي المغربي، ويمكن البدء بسرد المنتوج الباسكوني بداية من سنة 1954 التي كانت سنة التقعيد لنشر منتوجه السوسيولوجي، حيث نشر دراسة عن"هجرة أمازيغ سوس : أيت واد ريم إلى جرادة، بتعاون مع ج ب تريترام.
   وفي سنة 1969 أنجز تحقيقا لصالح "اليونسف يقع تحت 144 صفحة تحت عنوان :«ما يقوله 296 شابا قرويا».أي بعد تكليفه بالتنسيق بين الدراسات التحضيرية لأول تصميم خماسي مغربي بمصلحة التخطيط سنة 1956، وكذا التحاقه بالمكتب الوطني للري سنة 1961، وفي سنة 1964 عين مديرا لمكتب الحوز. 
 وقد ساعدته إقامته بمراكش على تحضير أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في موضوع:"حوز مراكش، التاريخ الاجتماعي والهياكل الزراعية". وبعد مرور ست سنوات سيلتحق الرجل بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة كمدرس لعلم الاجتماع القروي دائم العضوية إلى آخر أيام حياته.
وفي سنة 1974 سيخرج إلى الوجود ما عنونه ب "المسألة الزراعية بالمغرب،ج1" بشراكة (ن.بودربالة،م.الشرايبي).
  وفي سنة 1977 سينتج بمعية شركائه السوسيولوجيين (ن.بودربالة،م.الشرايبي،أ حمودي). الجزء الثاني من "المسألة الزراعية بالمغرب" وهي السنة التي سينهي فيها  اطروحته لنيل دكتوراه الدولة في علم الاجتماع"حوز مراكش: التاريخ الاجتماعي والهياكل الزراعية" والتي ستصدر في مجلدين سنة 1983م.
كما أخرج إلى الوجود "دراسات قروية،أفكار وتحقيقات حول القرية المغربية سنة 1980. 
وفي سنة 1983 أنجز بمعية هرمان ديرفوستن بحثا عنونه ب"بني بوفراح، دراسات في الإيكولوجيا الاجتماعية لسهل ريفي".
   وفي إطار العمل السوسيولوجي المشترك فقد ألف عالمنا المنتج السوسيولوجي المائز" دار إليغ والتاريخ الاجتماعي لتازروالت" بمعية (أحمد عاريف ، محمد الطوزي ، شورتر و فان دير ويستن) سنة 1984، كما أنجز "المسألة المائية بالمغرب رفقة (ن.بودربالة،ج، شيش، ع.حرزني خلال السنة عينها).
  كما أتم المؤلف الرائع" فلاحون دون أرض" بشراكة  محمد الناجي سنة 1985، وهي السنة التي يتمت السوسيولوجيا المغربية من الأب المؤسس للسوسيولوجيا القروية، وكان ذلك ليلة 22 أبريل/ نيسان، إثر حادثة سير رفقة أحمد عاريف بموريطانيا في ظروف أكثر من غامضة، كيف يمكن لحادثة سير أن تقع في صحراء قاحلة كما تساءل الخطيبي؟؟؟!!!
   في مختتم هذه الجولة البسيطة لسبر أغوار سيرة عالمنا "بول باسكون" المزدحمة بالإنتاجات السوسيولوجية ذات الطابع القروي، لا يسعنا إلا الاشارة إلى أنه مهما حاولنا الإشادة والتلميح لعلمية الرجل فإننا لن نستطيع أن نختزل مكنون كنوزه وميراثه السوسيولوجي الثري، إنه المنشغل بقضايا القرية والكائن القروي الذي يحيا كباقي الكائنات الحية تحت سطوة التناقضات والتراتبات على مستوى السلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، كيف لمجتمع ما بعد الاستقلال السياسي للمغرب أن يعيش مرحلة متأخرة عن ركب هذه المرحلة؟ وما الأسباب التي أنتجت هذه التناقضات التي أثقلت كاهل الإنسان القروي؟ لماذا يهاجر الشباب القروي؟ ومن المتحكم في نزوعه نحو الهجرة إلى المدن...؟ أسئلة كثيرة شغلت عالمنا بالإضافة إلى انهجاسه بالسؤال حول طبيعة المجتمع المغربي، هل يمكن اعتباره مجتمعا فيوداليا، قيدليا، رأسماليا، أم انقساميا؟ وهذا السؤال دفعه إلى البحث الدقيق والعميق في جينات المجتمع المغربي ليتوصل إلى طبيعة المجتمع المغربي المزيجة أو المجتمع المركب، بمعنى أن تركيبة المجتمع المغربي لا تتألف من عنصر واحد بل عناصر متداخلة فيما بينها والتي لخصها باسكون في خمس عناصر أو مجتمعات في المجتمع الواحد، وهي :(المجتمع القيدلي؛ المجتمع البطريركي أو الأبيسي،أي مجتمع القرابة؛ المجتمع الزاوياتي/التصوفي؛مجتمع القبيلة؛ المجتمع الرأسمالي).
  ان هذا الكل في واحد هو المتحكم في خريطة المغرب السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، دون منازع؛ أي أن الرجل حسم في طبيعة المجتمع المغربي باعتباره ذا طبيعة مزيجة، وقد تأكد ذلك للعيان عبر تاريخ السوسيولوجيا المغربية التي قعد لها الراحل عسافا السوسيولوجي المغربي النجيب بول باسكون، الذي أبعد عن السوسيولوجيا وعن معهد الزراعة والبيطرة تحسبا لإشعال الحس السوسيولوجي في نفوس وعقول الشباب السوسيولوجي المغربي، متناسين قاعدة" من أراد أن يعيش مئة عام فلينجب ولدا، ومن أراد أن يعيش ألف سنة فليؤلف كتابا" لكن قلم عالمنا لم يؤلف كتابا وحسب بل سيلا من المؤلفات السوسيولوجية التي ستظل تحيي الرجل لآلاف السنين. 
المراجع:
 مجلة بيت الحكمة ، العدد الثالث ، السنة الأولى ، أكتوبر/تشرين الأول 1986.

                            القنيطرة:الإثنين25 يناير/كانون الثاني 2016

رواد علم الاجتماع المغربي || في سيرة بول باسكون Reviewed by أكاديمية العلوم الإنسانية on 10:24 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.